(1)
وقف وحيدا في الصحراء , لم يندهش كثيرا ًً , راوده أمل في أن تتحول إلى جنة كالتي عاشها قبل أن يأتي هنا , بعد عشرون عاما من العمل فقد الأمل , رمى بجسده على الرمال الحارقة وحاول أن يستغرق في الموت , سمع صوتها بداخله تناديه . جلس يبكى بين رغبة وأمنية وواقع , حاول أن يستغرق أكثر في الموت لكن أشعة الشمس لم تتركه يهنأ به.
(2)
من جديد وقف على قدميه بصعوبة , .بحث عن ظلة , لم يجدها , جاءه صوتها عذبا تمنيه , صرخ يطلب مساعدته , تذكر أنه أغضبه , بكى أكثر , شعر برحمته تقترب , جرى إليها , ازداد الصوت بداخله . حاول أن يستمر لكنه سقط بإرادته . (3)
غاب عن الوعي كثيرا . أيقظته أشعة الشمس الحارقة, من بعيد لاحت له شجرة , حاول النهوض . فشعر بعظامه تؤلمه , قاوم لكنه فشل , نظر إلى السماء وناداه , فإقتربت الشجرة إليه ,إرتمى تحتها , ألهبه العطش , فدعاه مرة أخرى , تفجر الماء من تحته ,لكنه شعر بتمرد يروى عروقه مع الماء الذي يروى جسده , جاءته من جديد عارية , لم يقاوم أحتضنها قبل أن يسقط تحت الشجرة .
(4)
أستيقظ من نومه ليكتشف أنه لم يكن يحلم .
(5)
جلس في حفل صاخب , عشرات النساء حوله يرقصن , شعر بالغربة , فتأمل وجوهن بحثا عن وجه يعرفه , وجدها بعيدا عنهن , فشعر و كأنه يعرفها منذ زمن , بعد عدة محاولات فاشلة استجمع شجاعته وذهب ليتحدث معها , حكي لها عن ذاته , معاناته, و حلمه الذي لم يتحقق , ابتسمت ثم رحلت , دون أن تحتضنه , دون ان يقبلها, دون ان تودعه أو يودعها , دون حتى أن يضاجعها بنشوى ولو فى خياله, استيقظ من نومه ليكتشف أن هذه المرة بالذات لم تكن حلم .
(6)
( 7 )
أدرك ان ما يبحث عنه مجرد سراب , حزن لأجل هذه الحقيقة , لكنه تعود عليها , كما تعود أنه يوما ما سيرحل , أصبحت حكمته المشهورة " إننا لم نأتي إلى هنا إلا لكي نرحل , وما التقينا إلا لنفترق "
(8)
يعيش حياة جديدة لكنها تماما تشبه حياة أمس . اختلفت الأماكن , تغيرت الشخصيات , لكنه مازال يسكن نفس الجسد , ومازال يلازم نفس النفس المتعبة , ليس كل ما نريده يتحقق , يتصنع الفرح , يقضى يومه فى اللا شئ ,
ينسى , يتذكر ماضي قد ولى .ذكريات أغلبها حزينة لكنها ليست مأساوية , يندم . يفرح . لكنه لا يحزن .
(9)
يجلس إلى مكتبه , يخرج كتابا ويتصنع قراءته , قبل النوم يفكر فيه , ينظر إلى السماء , يتحدث إليه فى سره ,
يعلم جيدا كم هو مخطئ , يحاول أن يبكى لكنه لا يستطيع , يعتذر إليه , يقسم فى نفسه أنه غدا , وغدا بالذات سيزوره , يستيقظ من نومه ليدرك انه لم يكن يحلم
(10)
أصبح صنما ًً في ساحة كبيرة جدا , تطوف الناس من حوله ولا تتأمله , البعض يعتقد أنه سلة مهملات , البعض الأخر يدوس على قدمه يريد أن يصرخ لكنه لا يستطيع , يظل كما هو لا يعرف كيف جاء ولا إلى أين سيذهب
يستيقظ ليستغرق إلى الموت .
( 11 )
يتلاشى فى صمت ,فى تباطؤ , كالشمس قبل الغروب تتشبث فى السماء , تعاند الظلام , تنزف فيختلط لون السحاب الصافى بدمائها , والناس تحتها لا تهتم , حتى تتلاشى تماما , لكنه لن يشرق من جديد .
أشرف مقلد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق